العرض في الرئيسةتحليلات

“الانتقالي الجنوبي” .. الفكرة التي يُراد اختطافها

يمنات

صلاح السقلدي

تسجيل نقد وملاحظات على خطاب وعمل «المجلس الانتقالي الجنوبي» وعلى علاقته غير الطبيعية مع القوى المحلية والإقليمية، تنطلق من الحرص على نجاحه كــ«فكرة» وطنية ومظلة سياسية وضرورة مُـلحة اقتضتها ضرورة شد عضد القضية الجنوبية.

الملاحظات تأتي بعيداً عن هوية الأشخاص الجهوية وانتماءاتهم الثورية المتعددة وبعيداً عن أساليب التزلف والنفاق الذي درَجَ عليه البعض للأسف، وعلى أن الهدف من هذه الفكرة هو أن تضطلع بمهامها السياسية بالساحة بمشاركة كل القوى الجنوبية المقتنعة بـ«الحق الجنوبي»، وباستعادة حقه السياسي والسيادي. الفكرة السياسة والوطنية التي يريدها الجنوب أن تكون وتنتصر له، وليس الفكرة التي تريد أن يكون الجنوب وأن ينتصر لها… كما وتهدف هذه الملاحظات إلى تصويب توجه «الانتقالي»، وليس كما يعتقد البعض أنها محاولة لتقويضه وإفشاله، أو في أحسن حال مسخه كـ«ضرورة وطنية».

إعلان ولادة المجلس في مايو 2017م، كفكرة سياسية ومطلب سياسي جماهيري يخرج الجنوب من دوامة غياب الرأس الجنوبي والحامل السياسي لـ«القضية الجنوبية» بالداخل والخارج، وأمام الاستحقاقات السياسية والتسويات المحلية والإقليمية القادمة، هو ما ظل منشوداً طيلة السنوات الماضية، ويُنتظر بصرف النظر عن الانتماء الثوري والجهوي لمن يقوم به ويخرجه للنور. 

قبل أيام كان لكاتب هذه السطور ومجموعة من الصحافيين والاعلاميين الجنوبيين لقاءً بمقر المجلس «الانتقالي» بعدن مع أمين عام المجلس الأستاذ أحمد لملس، وعدد من قياداته الأخرى، لمناقشة عدد من القضايا التي تهم المجلس والجنوب عموماً.

ومما قلناه في اللقاء كان أشد وأقسى مما نكتبه عن المجلس، من ضمن هذه الملاحظات كان موضوع علاقة المجلس بـ«التحالف» وبالإمارات، هذه العلاقة التي نرى أنها بحاجة إلى تصحيح ومراجعة بعد أن يوشك «الانتقالي» أن يكون مجرد كيان تابع ذليل مع الإمارات، يمضي كـ«الأطرش بالزفة» على حساب «القضية الجنوبية». وبرغم قسوة النقد الذي سمعته هذه القيادات، ومنهم الأمين العام للمجلس، إلّا أننا لم نر أي انزعاج من قبلهم بل على العكس كانت الصدور واسعة والأيادي مشرعة لهذا النقد، بعكس الجوقة الإعلامية الجنوبية المحيطة بالمجلس، والتي تنزعج من أبسط نقد ومن أدنى ملاحظة، وينتابها شعور بـ«الهستيريا» التي تخرجها عن طورها أمام كل نقد، حتى وإن كان نقداً بنّـاءً مخلصاً.

تلك الجوقة لا تستطيع التمييز بين النقد الهادف لتصويب خطأ سياسي وسلوك غير سوي، وبين نقد يهدف لإفشال الفكرة من أساسها كما يفعل البعض، فهذه الجوقة التي تحفل بها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات والمواقع الإخبارية هي من يسيء للعمل السياسي الجنوبي، وهي مَن قد يُفشل عمل «الانتقالي» وتجعله بصورة مخدوشة أمام الآخرين بسبب تطرفها بالدفاع عنه بشكل مبتذل وصبياني، وهي من يضرب «الوحدة الجنوبية» في صميمها، من حيث تعتقد أنها تنتصر لها حين ترى بكل من يخالفها الرأي خائنا وقليل أصل وجب تأديبه. 

إذن فـ«الانتقالي الجنوبي» مطوّق بسلسلة من جوقة الغباء السياسي، وبأصفاد من الصبيانية الإعلامية هو بحاجة لمن يحرره من أغلال واحتلال هؤلاء، قبل أن يطلب منه أحد «تحرير الجنوب» من أي «احتلال آخر».

لا تتوقف «صبيانة» هؤلاء عند حد الدفاع عن أخطاء «الانتقالي»، ولا تكتفي بالدفاع عن هذه الأخطاء بحق وبباطل، برغم اعتراف قياداته بها، بل إن أي نقد أو تعرض أو ذكر للإمارات حتى وإن كان نقداً منطقياً حريصاً على مستقبل الوطن، يجعل هؤلاء أشد ضراوة بالرد والتعاطي مع الآخر، وأشد فتكا باختيار العبارات والمفردات النابية التي لا نظير لها من السوء والتطرف، إلى درجة تجعلهم يبدون إماراتيين أكثر من محمد بن زايد نفسه. وبالتالي يدفعون الناس دفعا إلى كره كل ما هو إماراتي، وكل ما يمت لـ«الانتقالي» بصلةٍ، بل وكل ما له علاقة بالجنوب.

فمع تقديرنا للخطوات الأخيرة لـ«الانتقالي» الهادفة لمد الجسور مع الجميع بالداخل والخارج، نتحدّى أكبر مزايد باسم «الانتقالي» وباسم الجنوب وحتى باسم «التحالف» من جوقة: «شكراً فلان وشكراً فلتان»، أن ينكرون ضرورة حاجة المجلس إلى إعادة تقييم علاقته المتردية بقوى «الثورة الجنوبية» كلها، وأهمها مجالس «الحراك الثوري» والشخصيات الجنوبية المُختلَف معها بالدخل والخارج، وحقيقة أن المجلس «الانتقالي» بحاجة إلى مراجعة علاقته بـ«التحالف» وبالإمارات بالذات، وأنه بحاجة إلى ضبط إيقاع تصريحات قياداته التي تزخر بها وسائل الإعلام وبرامج التواصل الإجتماعي، وتظهر المجلس كمجلس منفلت العقال.

كل شخص فيه يغرد بوادٍ، متجاوزين الناطق الإعلامي ومتخطين العمل المؤسسي المنشود لهذا المجلس! وأن المجلس بحاجة الى الاستقواء والرهان بالداخل أكثر من الخارج مهما كان هيلمان هذا الخارج… ومن ينكر أن هذا المجلس بات أداة سياسية بيد الآخرين الاقليميين -أو هكذا يُـــراد له أن يكون إرضاءً وتملقاً للآخرين من خلف الحدود- ويسوُق شباب الجنوب في معركة الساحل الغربي إلى محرقة وجحيم الموت بمعركة لا علاقة للقضية الجنوبية بها لا من بعيد ولا من قريب، بقدرما هو هدية مقرطسة للإمارات من باب شعار: «رد الجميل»، هذا الشعار الذي باتَ يصمُّ أذاننا منذ ثلاثة أعوام، ومن يستطيع أن يقنعنا أن «الانتقالي» بحاجة إلى التحلي بالشجاعة- التي لا تنقص معظم أعضاءه- لتوضيح الأمر للشعب من جدوى التحالفات التي تتم من خلف ظهرها وعلى حسابه وحساب التضحيات الجنوبية مع قوى يمنية ظل الجنوب يرى فيها قوى احتلال صريح، وبطش وقتل ونهب، ظل يقاومها منذ شنها الحرب على الجنوب عام 94م، بمعية قوى أخرى هي أيضاً تتخندق مع «الانتقالي» بذات الموقع، وفقاً للإرادة الإماراتية لا الإرادة الجنوبية، ودون أية ضوابط وضمانات مستقبلية من هذه التحالفات تضمن الحق الجنوبي عند أي تسوية قادمة، حين تنتهي هذه التحالفات، وتزول هذه الصداقات الآنية، وهي قطعاً زائله قريباً- وتدوم عوضا عنها المصالح. 

ومن بمقدوره أن يفنّد حقيقة أن هذا المجلس ارتكب أخطاء فادحة كخطأ صمته حيال التضحيات التي ذهبت سدى بالمعركة التي خاضها مع ألوية الحرس الرئاسي نهاية ديسمبر الماضي، وتنازل عنها وعن مطالبه السياسية تحت زعم ووهم اسمه: «الحفاظ على علاقتنا بالتحالف»، وتحت رُهاب و«فوبيا» خليجية مستحكمة بالعقل الجنوبي اسمها: «ما نقدر نزعل شركائنا بالتحالف»، أو تحت خديعة اسمها «تكتيك يا عرب تكتيك»، وهي بالأصح بيع وشراء بدماء وأرواح الضحايا، وممارسة نخاسة سياسية «عيني عينك»؟… فمَنْ يضيّع لسمه يضيّع قسمه يا حضرات!

المصدر: رأي اليوم

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى